الآيات الكونية وقدرة الله تعالى
.. وتلتفت السورة إلى المشركين الذين أراد الله من رسوله أن يحدثهم عن اليوم الذي ترجف فيه الراجفة ، وعن حديث موسى الذي يتضمن قوة الله في أخذه ، ليستشعروا حجمهم الحقير أمام قوة الله. إنها تخاطبهم مباشرة ليتطلعوا إلى ما يعيشونه من الشعور بالقوّة أمام الكون الذي يحيط بهم في ما يجسده من قدرة الله في خلقه ، ليدخلوا في مقارنة حسية بين عناصر القدرة فيه ، وعوامل الضعف فيهم ، وحجم القوة التي يملكونها إزاء ذلك ، لأن التحدّي في الأمور الحسية قد يفرض نفسه عليهم أكثر من التحدي في الأمور الغيبيّة.
(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) فهل يمكن أن يكون الجواب بأنكم أشد خلقا منها؟ إن الصورة لا تحتمل ذلك لأن الإنسان مهما كبر حجمه ، ومهما اشتدت قوّته ، فإنه لا يمثل شيئا أمام هذه السماء المترامية الأطراف التي (بَناها) الله بقوّته من غير عمد و (رَفَعَ سَمْكَها) أي سقفها ، (فَسَوَّاها) في استقامتها وتناسق أجزائها ، بوضع كلّ جزء في موضعه ، على أساس التخطيط الإلهي الدقيق الذي قد لا يعرف الناس من طبيعته وتفصيله الكثير ، لأنهم لا يملكون إلا المشاهدة البعيدة ، سواء كان ذلك بالعين المجردة ، أو بالوسائل الأخرى المستحدثة. ولكن الأمر مهما كان خفيّا ، فإنه يوحي بالعظمة التي يخضع لها العقل ، ويهتز أمامها الشعور ، الذي يوحي بعظمة الخالق ، الذي خلقها بهذا التناسق الدقيق ، والتماسك الشديد.
* * *