في انتمائه ، مما جعله في موقف المتمرد على الله المعادي لرسوله ولرسالته ، (وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) وفضّلها على الآخرة ، فاستغرق في ملذات الدنيا وشهواتها من دون أن يفرّق بين حلال وحرام ، بل ربما فضّل الحرام على الحلال ، لأنه أقرب إلى مزاجه ، لأن القضية لديه هي مشاعر اللحظة الحاضرة بعيدا عن المصير المستقبلي الذي يواجهه في الدار الآخرة ، باعتبار أنه من الذين يفكرون ببدايات الأمور ، ولا يفكرون في نهاياتها ، فتغريهم حلاوة البداية عن مرارة النهاية ، فيستسلمون للغفلة المطبقة على عقولهم حتى تغيب الآخرة عن وجدانهم.
أما هؤلاء ، (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) الذي يأوون إليه ليكون مسكنهم الدائم ، لأن طبيعة الطغيان وإيثار الحياة الدنيا على الآخرة يدفع الإنسان إلى الكفر والضلال والعصيان والغفلة عن أسباب النجاة في الآخرة.
* * *
الجنة مأوى الخائفين مقام ربهم
(وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) وعرف عظمته في ربوبيته المطلقة المهيمنة على الكون وما فيه ، مما يجعل الإنسان يستشعر موقع العبودية في ذاته في موقعه من ربه ، من خلال استشعاره للألوهية في مقام الله التي تستتبع الإيمان والطاعة في كل شيء ، الأمر الذي يجعل الحياة بالنسبة إليه تمثل فرصة المسؤولية الخاشعة في ما يأمر به الله أو ينهى عنه ، لتكون إرادته مرتبطة بإرادة الله ، فإذا أرادت منه نفسه أن يتمرد على الله انطلاقا من رغباتها الذاتية ، وأهوائها الغريزية ، فإنه يبادر إلى أن ينهى نفسه عن السير في هذا الاتجاه ، ليجعل هواه تبعا للإيمان ، لأن المسلم الحق ، الذي أسلم كل حياته لله ، هو الذي يحاول أن يصوغ نفسه صياغة إيمانيّة على خط التقوى ، ليكون العبد المطيع لله ، وهذا