يخلد لكم؟ فستزولون بعد عمر قصير أو طويل ، وسيزول المتاع كله عنكم وعن غيركم ، لأن الدنيا سوف تزول بأهلها ومتاعها ، ولن يبقى منها للآخرة إلّا العمل ، ويختلف المصير تبعا لاختلاف العمل ، وتأتي المفاجأة الصعبة.
(فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) وهي الصيحة العظيمة التي تصمّ الأسماع من شدّتها ، وربما كانت كناية عن نفخة الصور التي تخرج الناس من الأجداث فتدبّ الحياة فيهم من جديد ، لينطلقوا إلى لقاء الله في ساحة المحشر.
* * *
(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ)
(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) إنه الهول الشديد الذي يدفع الإنسان إلى التفكير بنفسه ، بعيدا عن التفكير بغيره ، فضلا عن تحمّل مسئوليته ، فتتقطع بذلك العلاقات التي تشدّ الإنسان إلى أرحامه وإلى الأقربين منه ، فلا دور للأخوّة هناك في اجتذاب عاطفة الأخ لأخيه ، ولا مجال للأمومة والأبوّة لاجتذاب عاطفة الابن لأبويه ، كما تذوب المشاعر الحنونة الحميمة في شعور الأب تجاه بنيه ، أو إحساس الحب للزوج تجاه زوجته. إنه الفرار ، فرار الإنسان من كلّ الذين قد يتعلّقون به ، وقد يسألونه حاجة ، وقد يذكّرونه بعلاقتهم به ، وقد يشغلونه بذلك عن بعض ما هو فيه ، إنه مشغول بنفسه ، بمصيره ، بالنتائج المرتقبة أمامه ، ولذلك ، فإن كل تفكيره يتجه إلى ذلك ، بعيدا عن كل هؤلاء.
إنها لا تمثل موت العاطفة ، بل تمثل تغلّب الخوف المرعب الهائل على إحساسه بعلاقاته النسبية والعاطفية ، مما يجمّد له ذلك الشعور الإنساني الحميم ، تماما كما هي الحال في الحياة الدنيا ، عند ما تضغط عليه التحديات الصعبة.
* * *