(وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) أي إذا أقبل في انفتاحه على الأفق ، كما لو كان موجودا حيا يتنفس ، وفي أنفاسه النور والحياة والحركة ، فكأنه كان محبوسا في دائرة الظلام ، يعاني الاختناق ، ثم تنفس ، فبدأت أنفاسه تمنح الكون روحا ونسيما وحيوية وإشراقا ، تماما ، كما هو النفس في تأثيره على الجسد. ويلاحظ أن في اختيار الألفاظ في هذه الفقرات لونا من الإيحاء التعبيري الذي يوحي ببعض الأجواء والمشاعر والأحاسيس التي تتجاوز المعاني اللغوية للكلمات.
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) أي إن هذا القرآن لم ينطلق من تجربة فكرية ذاتية ، بل هو قول رسول كريم أرسله الله إلى نبيّه ليفتح به قلبه ، ويعمّق به تجربته ليبلّغه للناس ، وهذا الرسول هو جبريل عليهالسلام الذي حدثنا الله عنه في علاقته بتنزيل القرآن في آية أخرى ، وذلك هو قوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ٩٧].
وقد وصفه الله بصفة «كريم» إشارة إلى كونه ذا كرامة عند ربه في قربه منه.
(ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) فقد أعطاه الله القدرة على حمل الرسالة وتبليغها للنبيّ ، كما أعطاه المكانة المميزة لديه ، ومنحه الطاعة التي أراد للملائكة أن يقدموها إليه في ما يأمره به من المهمات الموكلة إليه ، وأكد أمانته في حمل الرسالة وإبلاغها ، فلا يزيد فيها حرفا ولا ينقص منها شيئا.
* * *
(وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ)
(وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) وهو رسول الله الذي يملك العقل الواعي المنفتح على الله ، والمتحرك في إدارة شؤون الرسالة بكل تركيز وبصيرة. وليس