الحديث عنه بهذه الصفة التي تسيء إلى شخصيته العقلية إلا نوعا من الحملة العدوانية الموجّهة ضده من قبل المشركين الذين أعيتهم الحيل في إبعاد الناس عنه ، فعمدوا إلى تشوية صورته واتّهامه بالجنون ، مما يدلّ على سذاجتهم في تلفيق التهم ، لأن النبيّ كان معروفا لدى الناس الذين عاش معهم ، قبل الرسالة وبعدها ، برجاحة عقله وصدقه وأمانته واستقامته ، بالمستوى الذي يجعل من هذه التهمة دليلا على جهلهم ، وسخافة عقولهم ، لأنهم لا يستطيعون التمييز بين المجنون والعاقل الذي يملك المستوى الكبير في قوّة العقل ، وصفاء الإحساس ، ووعي الروح ، فليس هناك أي أساس لوصفه بالجنون.
وقد لاحظنا أن هذه الكلمة لم تستطع أن تحرّك أي شخص للانفعال به في زمن الدعوة الأول ، فقد كان الناس يقبلون عليه ليسمعوا منه ، ولينتفعوا بالجلوس إليه.
* * *
(وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ)
(وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) أي في الجانب الظاهر منه ، والضمير يرجع إلى جبريل ، لتأكيد تجربة النبي الحسية في مسألة الوحي ، فليس الأمر أمر سماع قد يختلف الناس في تقدير طبيعته ، بل هو أمر عيان لا يشكّ الرّائي في حقيقته .. (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) أي ببخيل ، فالنبي لا يبخل بما أوحى به الله إليه ، فلا يحتفظ به لنفسه ليكون شأنا ذاتيا ، بل هو أمانة الله عنده ، التي يشعر بها في موقع المسؤولية ليبلّغها للناس كاملة غير منقوصة ، فلا تغيير ولا تبديل ، ولا زيادة ولا نقصان.
* * *