مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ، يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ). وذلك اليوم ليس من أيام الدنيا ، بل من أيام الآخرة. وكذا في قوله : (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً). وكذا قوله : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) ... (لا رَيْبَ فِيهِ) لأن يوم الدنيا يوم التفرقة في الوجود ، ويوم الشك. وكذا قوله : (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) لأن وقوع الأشياء فيه على الحق واليقين. وقوله : (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) لأن وجود الأشياء الطبيعية من حيث صورها المادية الوضعية مضمحلة مدروسة هناك كاضمحلال الظل عند النور وذوبان الثلج والجمد عند الحرور.
فهذه الآيات وأمثالها من الآيات الكثيرة التي تركنا ذكرها مخافة التطويل ، مشيرة إلى رجوع هذه الأشياء كلها إلى عالم الآخرة ، ورجوع أهل الآخرة كلهم إلى الحق الأول تعالى. وإلى زوال هذا العالم بكله ودثور ما فيها من الصور الحسيه وفنائها يوم القيامة ومحو آثارها وتبدل وجودها يوم بروز مكامنها وظهور حقائقها وكشف بواطنها ونشر صحائف نفوسها وكتب أعمالها على رءوس الجمع ، وذلك بعد خروجها من مقابرها ، وهي مقابر أكوانها التدريجية ومدة حركاتها الاستكمالية في دار الدنيا التي هي مقبرة ما في علم الله الكائن في صقع الربوبية قبل الورود في مقابر الدنيا وبعد الخروج عنها عند انقضاء مدة مكثها الدنيوي.
تنبيه
إن لكل من الروح والجسد والقلب والقالب قبرا حقيقيا. أما قبور القوالب والأجساد فهي مقادير أكوانها التدريجية ، وأما قبور القلوب والأرواح فإلى مأوى النفوس ومرجع الأرواح البشرية ، وهي سدرة المنتهى قبل ظهور القيامة الكبرى فالله سبحانه أبدع بقدرته الكاملة دائرة العرش وجعلها مأوى القلوب والأرواح ، وأنشأ بحكمته البالغة نقطة الفرش وجعلها مسكن القوالب والأجساد ، ثم أمر بمقتضى قضائه الأزلي للأرواح والقلوب