العرشية إن تعلقت بالقوالب والأبدان الفرشية شطرا من الأزمنة والأوقات ، فإذا بلغ أجل الله الذي هو آت ، وقرب الممات للملاقاة والحياة ، رجعت الأرواح إلى رب الأرواح قائلين : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) وعادت الأشباح إلى التراب الرميم : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ).
وأما الأرواح الكدرة الظلمانية المنكوسة ، والنفوس الشقية التي «كفرت (بِأَنْعُمِ اللهِ) فهي أيضا قصدت من حضيض الفرش إلى ذرى العرش ، لكن مع أثقالها وأوزارها بأجنحة مقصوصة وقلوب مقبوضة وأيدي مغلولة بحبائل التعلقات وأرجل مقيدة بقيود الشهوات ، (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) فصاروا منكوسين معلقين بين العرش والفرش ، (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
تنبيه آخر
في موت الإنسان الكبير أعني العالم.
اعلم أن العالم مشتمل على الخلق والأمر ، والخلق كله هو قالب العالم والأمر كله هو روح العالم ثم قوام الخلق بالأمر كما أن قوام القالب بالقلب فالتعانق بين الأمر والخلق هو حياة الإنسان الكبير والعالم ، كما أن التعانق بين الروح والجسد هو حياة الإنسان الصغير وكذا التفارق بينهما هو موت العالم الكبير والقيامة الكبرى ، كما أن الافتراق بين الروح والجسد هو موت هذا الإنسان والعالم الصغير والقيامة الصغرى ، والله خالق الموت والحياة ، كما أنه جاعل الظلمات والنور (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) فإذا وقعت الواقعة وقامت القيامة ، رجع الأمر إلى الأمر إليه ، يرجع الأمر كله إليه (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) ويعود الخلق إلى الخلق (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ).