قاعدة
في الخلق والأمر
قال الله تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) وقال : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ، وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) ، (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) ، (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
اعلم أن الله خلق عوالم كثيرة ، كما ورد في الخبر بروايات متعددة وفي بعضها أنه خلق ثلثمائة وستين عالما.
قال الشيخ محيي الدين الأعرابي في الباب الثامن من الفتوحات المكية : «إن في كل نفس خلق الله فيها عوالم (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ... ،) وخلق الله من جملة عوالمها عالما على صورتنا إذا أبصرها العارف يشاهد نفسه فيها ، وقد أشار إلى ذلك ابن عباس فيما روي عنه في حديث : هذه الكعبة وإنها بيت واحد من أربعة عشر بيتا ، وإن في كل أرض من الأرضين السبع خلقا مثلنا ، حتى أن فيهم ابن عباس مثلي» والعوالم وإن كانت متعددة ، إلا أن الجميع مترتبة منتظمة في سلك واحد متفاوتة باللطافة والكثافة والظهور والبطون ، لما مر من استحالة وجود عالمين متباينين غير منتظم أحدهما بالآخر كما بين في مقامه ، والعوالم مع كثرتها منحصرة في قسمين عالم الأمر وعالم الخلق ، فعبر عن عالم الدنيا وهو ما يدرك بهذه الحواس الظاهرة الخمس بالخلق ، لقبوله المساحة والتقدير ، وعبر عن عالم الآخرة وهو ما يدرك بالحواس الخمسة الباطنة وهي النفس والقلب والعقل والروح والسر بالأمر ، لأنه وجد بأمر كن دفعة بلا واسطة شيء آخر ، إذ وجوده غير متعلق بالحركات والاستعدادات ، فيوجد بمجرد الجهات الفاعلية لا بالجهات القابلية الانفعالية ، فكل ما يقع في تصور الفاعل أو يخطر بباله يوجد دفعة من غير استعمال آلة أو تهيؤ قابل ، فعالم الأمر هو الأوليات العظائم التي أوجدها الله تعالى للبقاء ، كالعقل والروح والقلم واللوح والعرش والجنة ، وآخرها الكرسي ، ولهذا قيل : فرش الجنة الكرسى وسقفها عرش الرحمن.