عالم النور فهو أظلم وأوحش ، وهكذا إلى أسفل السافلين ومهوى الشياطين والكفرة والمطرودين (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) والله خالق الظلمات والنور وجاعل الليل والنهار «وهو (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) والناس في أول الخلقة قابل للسلوك إلى الجانبين والسير إلى السبيلين ، إما إلى عالم النور والحياة ، وإما إلى عالم الموت والظلمة (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ، يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
قاعدة
في كيفية البدو والإعادة والإشارة إلى سلسلتي الهبوط والصعود
قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) يشير إلى أنه تعالى كما بدأ الخلق بإخراجهم عن مكمن الإمكان إلى عالم الأرواح ثم أهبطهم من عالم الأرواح إلى عالم الأشباح عابرين على الملكوت الأعلى والأسفل من النفوس السماوية والأرضية ، مارين على الأفلاك والأنجم والأثير والهواء والماء والأرض ، إلى أن يبلغوا إلى أسفل السافلين والهاوية المظلمة أعني الهيولى والبحر المظلم والقرية الظالم أهلها ، وهي نهاية تدبير الأمر على ما قال : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) ثم يقع الإعادة في باب الإنسانية بجذبات العناية إلى الحضرة الإلهية من حيث وقع النزول مارا على المنازل والمقامات التي كانت على ممره بقطع التعلق عنها وترك الانتفاع بها ، فإنه حالة العبور على هذه المنازل استعار خواصها لاستكمال الوجود الإنساني مادة وصورة وروحا وجسما ، فصار محجوبا عن الحضرة مشتغلا بالكثرة عن الوحدة ، كما في قوله : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) يعني الأبدان المظلمة لكونها مقابر للأرواح ، فإذا جاء وقت الرجوع بجذبة ارجعي إلى ربك يرد ما استعار من كل منزل ، فإن العارية مردودة إلى أن يبقى بلا إنانية