وكذلك كل واحد من أفراد البشر ناقصا أو كاملا كان له نصيب من الخلافة بقدر حصة إنسانية ، لقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) ، مشيرا إلى أن كل واحد من أفاضل البشر وأراذلهم خليفة من خلفائه في أرض الدنيا ، فالأفاضل مظاهر جمال صفاته تعالى في مرآة أخلاقهم الربانية ، وهو سبحانه تجلى بذاته وجميع صفاته لمرآة قلوب الكاملين منهم ، المتخلقين بأخلاق الله ، ليكون مرآة قلوبهم مظهرا لجلال ذاته وجمال صفاته ، والأراذل يظهرون جمال صنائعه وكمال بدائعه في مرآة حرفهم وصنائعهم ، ومن خلافتهم أن الله استخلفهم في خلق كثير من الأشياء كالخبز والخياطة والبناء ونحوها ، فإنه تعالى يخلق الحنطة بالاستقلال والإنسان بخلافته يطحنها ويعجنها ويخبزها ، وكالثوب فإنه تعالى يخلق القطن والإنسان يغزله وينسج منه الثوب بالخلافة ، وعلى هذا قياس في سائر الصنائع الجزئية والحرف.
قاعدة
في الحقيقة المحمدية مظهر اسم الله الجامع الأعظم (يا أَيُّهَا
النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) إلى قوله (مُسْتَقِيماً)
قد تقرر في العلوم الإلهية أن الحق تعالى برهان على كل شيء كما قال (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) وقد ثبت أيضا أن المبدأ عين الغاية والبداية عين النهاية ، وأن الله فاعل كل شيء ، وأن الإنسان الكامل الذي لا أكمل منه غاية المخلوقات ، «لولاك لما خلقت الأفلاك» ، فإذن يجب أن يكون هو البرهان على سائر الأشياء ، كما قال (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً).
ومن الشواهد الدالة على هذا المطلب أن الله أعطى لكل نبي آية وبرهانا وجعل نفس النبي الخاتم برهانا فقال (قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ، وذلك لأن برهان الأنبياء كان في أشياء غير أنفسهم ، مثل برهان موسى في