تعلمت من كل شيء أحسن ما فيه ، حتى من الكلب حمايته على أهله ، ومن الغراب بكوره في حاجته ، ولا يبعد أن يكون قوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) الآية تنبيها للإنسان على التعلم والاقتداء بالنحل في مراعاته لوحي الله تعالى ، فكما أنها لا يتخطى وحي الله في مجرى المصالح طبعا ، كذا يجب على الإنسان أن لا يتخطى وحي الله اختيارا.
قاعدة
في خلقة الإنسان وأنه الثمرة العليا واللباب الأصفى والغاية القصوى من وجود سائر الأكوان ، والكلام هاهنا في مادة وجوده ، وسيجيء الكلام في صورة وجوده.
اعلم أن الطبيعة ما لم توف بالمادة جميع درجات النوع الأخس لم يتجاوز بها إلى النوع الأشرف ، وقد حقق بالبرهان أن الموجود الأشرف يجب أن يندرج فيه جميع المعاني المتحققة في الموجود الأخس على وجه أعلى وألطف ، وقد أشرنا آنفا إلى أن العناصر إذا امتزج بعضها ببعض وخرجت بسبب اعتدال كيفياتها عن صرافة تضادها وتعصيها عن قبول الفيض الإلهي تصير قابلة لأثر من آثار الحياة ، فأول ما قبلته من إفاضة الله هي صورة حافظة لتركيبها مبقية لوجودها بإذن الله تعالى ، ثم إذا حصل لها امتزاج أتم واعتدال أفضل وأقرب إلى الوحدة الجامعة ، قبلت أثرا آخر من آثار الحياة أشرف ، وهي النفس النباتية التي شأنها التغذية والتنمية والتوليد للمثل ، وإذا امتزجت امتزاجا أكثر اعتدالا وأرفع قدما من التسفل والتضاد والتفرقة ، وأقرب مقاما إلى عالم الصفاء والنور ، تهيأت لقبول أصل الحياة بعد أن يستوفي درجات الجماد والنبات بفيضان النفس الحيوانية الحساسة المتحركة بالإرادة ، وإذا لطفت المادة العنصرية جدا حتى تشبه الجرم الفلكي صار محل استواء الروح النطقي الإضافي الذي من الله مشرقه وإلى الله مغربه ، ففي الإنسان شيء كالفلك وشيء كالملك ، وبهما جميعا يصلح عمارة الدارين ويستحق خلافة الله أولا في العالم الأسفل