النفس عليه ، وبالأخرى يحصل الإنسان الملكي بواسطة فيضان الروح الإلهي على نفسه ، فالتسوية الأولى للبدن والثانية للنفس ، كما قال : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) ، وقوله أيضا مشيرا إلى مبادي أطوار الخلقة ونهايات كمالها ، (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) ، وهذه التسوية المذكورة هاهنا هي التي وقعت من فعل الله بعد خلق الإنسان ونسله ، وهذا الروح المنفوخ المضاف إلى الله هو الروح الأمري الذي من عالم الأمر لا النفس التي وقع فيه الاشتراك لجميع الناس ، وقوله (وَجَعَلَ لَكُمُ) على سبيل الخطاب لجماعة مخصوصين من هذه الأمة المرحومة دال على أن المراد بهذا السمع والبصر والأفئدة ما هي المخصوصة بأهل الفضل والكمال ، لا الذين أصمهم الله (وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) ، فهم ممن ليس لهم سمع عقلي ولا بصر عقلي ولا فؤاد نوراني ، فيظهر من هذا أن المراد من الروح المذكور هو الروح العلوي الإلهي لا البشري النفساني.
ثم أشار إلى أن هذا الروح هو المستحق للقاء الله ، وهو يكون في قليل من أفراد الناس ، ولهذا قال : (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) إلى قوله (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) وهذا حال أكثر الناس.
قاعدة
في فضل معرفة الإنسان نفسه
اعلم أن في معرفة النفس الإنسانية اطلاعا على أمور كثيرة.
أحدها أنه بواسطتها يتوصل إلى معرفة غيرها ، ومن جهلها جهل كل ما عداها.
والثاني أن النفس الإنساني مجمع الموجودات كما سيظهر ، فمن عرفها فقد عرف الموجودات كلها ، ولذلك قال تعالى : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي