قاعدة
في تفاوت أفراد الناس واختلافهم
الأشياء كلها متساوية غير متفاوته من حيث إنها مصنوعة بحكمة صانع واحد حكيم ، وعلى ذلك نبه بقوله تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) ، وذلك لاشتراكها بقبول فيض الرحمة والجود ، ولاتفاقها في التوجه إلى جانب الحق المعبود ، ولكن يختلف من حيث إن كل نوع يختص بمعنى معين وحد محدود ، بعد اتفاقها في الاتصاف بالوجود ، فاختلاف الماهيات أنما نشأ من اختلاف مراتبها في القرب والبعد من منبع الوجود ومعدن الفيض والجود ، وكذلك يختلف أفراد ماهية واحدة بعد اتفاقها في النوع بأمور لاحقة لها مخصصة لأفرادها ، ثم لا شيء من أفراد نوع واحد أكثر اختلافا وتفاوتا من أفراد البشر ، كما قال تعالى : (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) ، وقال : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) ، وقال : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً).
واعلم أن اختلاف أفراد الإنسان بحسب هذه النشأة اختلاف بالعوارض ، وبحسب النشأة الآخروية اختلاف بالذاتيات ، وتحقيق ذلك موكول إلى بعض كتبنا ، وسنشير إليه فيما سيأتي من أحوال المعاد ، وقال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) ، وقال : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ).
واعلم أن الحكمة مقتضية لاختلاف الناس في هذه النشأة ، وذلك لأن الإنسان لما كان غير مكفي بتفرده لأن يعيش ، حتى لو أن إنسانا حصل وحده لامتنع أو تعذر بقاؤه أدنى مدة ، فإن أول ما يحتاج إليه ما يغذوه وما يواريه ، وليس يجد ما يغذوه مطبوخا ، ولا ما يواريه مصنوعا ، كما يكون لكثير من الحيوانات بل هو مضطر إلى إصلاحهما ، وإصلاح شيء منهما يحوجه إلى آلات غير مفروغ عنها ، والإنسان الواحد لا توصل له إلى إعداد جميع ما يحتاج لتعيش به المعيشة الحميدة ، فلم يكن بد للناس ممن