يشارك ويعاون ، فجعل لكل قوم صنعة وهيئة مفارقة للصنعة الأخرى وهيئاتها ، فقسمت الصناعات بينهم كما قال : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ) ، فيتولى كل صنعا من الصناعات فيتعاطاه باهتزاز ، كما قال : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ، فاقتضى ذلك أن يختلف جثثهم وقواهم وهممهم وأغراضهم ، ليكون كل ميسرا لما خلق له ، وقال : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) ، فيكون معايشهم مقتسمة بينهم كما نبه تعالى بالآيات المتقدمة ويمثل قوله : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) ، فالناس إذا اعتبروا من حيث اختلاف أغراضهم ودواعيهم وهممهم فهم في تعاطي صناعاتهم في حكم المسخرين ، وإن كانوا في الظاهر من المختارين ، وقد وقعت الإشارة إلى ما يتعلق بالمصلحة بتباين الناس في ما روي أنه قال صلىاللهعليهوآله : لا يزال الناس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا.
تذكرة فيها تبصرة
واعلم أن أسباب تفاوت الناس في الصنائع والأغراض أمور سبعة.
أولها اختلاف الأمزجة وتفاوت الطينة واختلاف الخلقه ، كما أشير إليه فيما روي «إن الله لما أراد خلق آدم أمر أن يؤخذ قبضة من كل أرض فجاء بنو آدم على قدر طينتها الأحمر والأبيض والأسود والسهل والحزن والطيب والخبيث» ، وإلى هذا أشار بقوله : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) ، وبقوله : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ).
وثانيها اختلاف أحوال الوالدين في الصلاح والفساد ، وذلك أن الإنسان قد يرث من أبويه آثار ما هما عليه من جميل السيرة أو قبيحها ، كما يرث تشابههما في خلقتهما ، ولهذا قال تعالى : (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) ، وعلى نحو ما روي أنه قال في التوراة إني إذا رضيت باركت ، وإن بركتي