المعاني الروحانية وأدونها ، لأنها جسمانية الحدوث روحانية البقاء ، وأنها إنما تحدث بسبب استعداد البدن ، وتبقى بسبب ملكات نفسانية راسخة تصير صورة ذاته ، وتخرج بها من القوة إلى الفعل ، لأنها في أول الحدوث أمر بالفعل في هذه النشأة الطبيعية ، وهي بعينها أمر بالقوة في النشأة الآخرة ، فهي صورة في هذا العالم وهيولى في عالم آخر ، فلها أن تخرج ذاتها من القوة إلى الفعل بواسطة حركات واستحالات نفسانية تستعد بها لصورة من أجناس الصور الأخروية وتتحد بها ، وتصير ذاتها بعينها كالهيولى للأجسام الطبيعية أن يخرج من القوة إلى الفعل بواسطة حركات جسمانية تستعد بها لصورة من أجناس الصور الدنياوية ويتحد بها ، كما هو التحقيق من الاتحاد بين المادة والصورة ، وكما أن الله خلق في هذا العالم من المادة الجسمانية أنواعا من الحيوانات كالسباع والبهائم والوحوش والحيات والعقارب وغيرها ، فكذلك يخلق في الآخرة من المادة النفسانية من الإنسان أنواعا من المخلوقات كالملك والشيطان والسبع والبهيمة وكل نوع من أنواع الحيوانات ، وهي كلها مخلوقة من النفس الإنسانية ، والإنسان نوع واحد في هذا العالم ، كما قال تعالى : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ، وستصير أنواعا من أجناس كثيرة متخالفة ، وفي القرآن آيات كثيرة دالة على ما ذكرناه من التحقيق ، وهو مما ألهمنا الله به خاصة من بين أهل النظر ولم أجد في كلام أحد من الحكماء وغيرهم ، والحمد لله العزيز الوهاب الذي شرفنا به من بين الأصحاب ، منها قوله تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ) وقوله : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) ، وقوله : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ، وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
يعني حكم عليهم في الدنيا بما هو مقتضى صور قلوبهم وظهورها في الخارج وتشكل أبدانهم بأشكال مناسبة لهيئات نفوسهم كما في الآخرة ، وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، وقوله : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ