قاعدة
في بطلان التناسخ
التناسخ أعني انتقال النفس الشخصية من بدن إلى بدن محال ، سواء كان البدن عنصريا أو فلكيا أو طبيعيا أو برزخيا ، ببرهان أفادنا الله تعالى إياه ، وهو أن النفس في أول تكونها الطبيعي متحدة مع البدن ، وهي بالقوة في كل ما لها من الأحوال والإدراكات ، حتى في كونها حساسة ، ثم يتدرج في الاشتداد والترقي ، فيصير أولا طبيعية حافظة ، ثم جوهرا غاذيا منميا مولدا ، ثم حساسا على التدريج من أكثف الحواس إلى ألطفها ، فكانت أولا قوة اللمس ثم الذوق ثم الشم ثم السمع والبصر ثم يصير متخيلا ، وهاهنا أوان تجرده عن البدن الطبيعي كما أشرنا إليه ، ثم يصير متفكرا ذاكرا ، ثم عاقلا ومعقولا ، وعند ذلك أوان تجردها عن العالمين ومفارقته للنشأتين ، فقد بان أن للنفس قبل تجردها مطلقا مقامات طبيعية ، يناسب كل منها لمزاج خاص وتكون معين ، وسن مخصوص من أسنان البدن من الجنينية والطفولية والصبوية المراهقية والشباب والكهولة والشيخوخة والموت والبعث.
وبالجملة النفس والبدن يتحركان معا في التحولات الطبيعية ، ويستكملان معا في الكمالات التي تناسب كلا منهما بحسبه إلى أن يقع لها التفرد بذاتها منسلخة عن البدن ، والحاصل أن لكل طبيعة حركة جوهرية ذاتية إلى غاية ما ، ولها في كل حد من حدود الانتقال مرتبة من الوجود يكون بحسبها فعلا وقوة ، فعلا بالقياس إلى سابقها ، وقوة بالقياس إلى لاحقها ، وكل موجود صار بالفعل شيئا ، فلا يمكن عوده إلى الحالة التي كانت فيها بالقوة ، ولأن الحركات الطبيعية متوجهة إلى ما لها من الكمال ، فيمتنع أن يقع شيء منها على وجه الانتكاس مخالفا للمجرى الطبيعي.
فإذا تمهد هذا فنقول : كما لا يمكن أن تصير القوة الحيوانية نباتية ولا النباتية معدنية ولا المعدنية صورة عنصرية على عكس ما هو المجرى