هذه الحواس الداثرة الطبيعية ، وأيضا إن الجنة كما لوحناه إليك تكون في داخل حجب السماوات والأرضين ، ومنزلتها من هذا العالم منزلة الجنين من الرحم ، فافهم إن كنت من أهله وإلا فغض بصرك عن مطالعة هذا الكتاب والتدبر في غوامض علم القرآن ، وعليك بممارسة القصص والأخبار والروايات ، وعلم السير والأنساب ، وتتبع العربية واللغة ، وتحمل الرواية من غير دراية ، وما هو كالنتيجة عندك للكل من البحث عن المسائل الفرعية الخلافية ، ونوادر تفريعات الطلاق والعتاق والسلم والإجارة والرهانة ، وقسمة المواريث المشتملة فروضها على الكسور التي يدق فيها تحصيل المخرج ، إلى غير ذلك من المهمات التي يحتاج إليها على الندرة بعض الآحاد في بعض الأوقات ، وقد نصب الله لها كسائر الأمور التي هي أدون منزلة منها أقواما يعظمون الأمر فيها ويصرون عليها ويفرحون بها ، و (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ، وقيمة كل أحد على قدر همته ، (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ ، إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) ... ، (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
ومما يدل على التناسخ المعنوى الأخروى ما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله من قوله : يحشر الناس على صور نياتهم ، وقوله صلىاللهعليهوآله : يحشر الناس على صورة يحسن عندها القردة والخنازير ، وقوله : كما تعيشون تنامون وكما تنامون تبعثون ، وقوله ص : من خالف الإمام في الصلاة يحشر ورأسه رأس حمار.
تذكرة قرآنية
قد انكشف لك فيما مر وسيتضح لك زيادة إيضاح ، أن جميع أفراد الناس متوجهون بحسب ما أودع الله في غرائزهم نحو المبدإ الأعلى ، فما من أحد إلا وفيه الحركة المعنوية نحو الآخرة ، إلا أنهم متفاوتون في هذا التوجه والحركة الجبلية والسير الباطني بحسب جهات الحركة ودرجات القرب والبعد ، فمنهم من يسعى نوره إلى الله وإلى جهة الآخرة ، لقوله تعالى :