البشرية ، فلذلك قال : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) ، تنبيها على أنه ليس في قوة عامة البشر الذين لم يخصوا بذلك الروح أن يقبلوا إلا من البشر ، ولما عمى الكفار عن إدراك هذه المنزلة ، عزلوا الأنبياء عليهمالسلام من فضيلة النبوة وأنكروا منزلتهم ونبوتهم ومنزلة علمهم عليهمالسلام ، كما قال تعالى : (قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) ، فالأنبياء بالإضافة إلى سائر الناس ، كالإنسان بالإضافة إلى سائر الحيوانات ، وكالقلب بالقياس إلى سائر الأعضاء والجوارح ، وأيضا منزلة الأنبياء من أممهم منزلة ضوء الشمس من الأرض ومنزلة علمهم وعلم وارثهم ونائبهم من علم الأمم منزلة ضوء الشمس ونور القمر من ضوء نواحي الأرض كما قال : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) ، وكما أن وجه الأرض لا يستضيء إلا بنور الشمس والقمر والنجوم ، ونور الشمس هو المفيض على القمر والنجوم وغيرها ، فكذلك منزلة علوم الخلائق لا تحصل ولا يتزكى نفوسهم إلا بواسطة نبوة الأنبياء ، وعلى هذا دل بقوله : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) ، وقوله : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، فالله تعالى يزكي الأنبياء بواسطة الملك ويزكي الناس بواسطتهم ، كالطابع الذي حصل له كتابة ثم بواسطته تثبت في الشموع المختلفة مثل تلك الكتابة ، ونسبة الملكية إلى نفس النبي صلىاللهعليهوآله كنسبة ضوء الشمس إلى جرمها ، ونسبتها إلى سائر الناس كنسبة نور الشمس إلى سطوح الأرض.
قاعدة
في هداية الله تعالى الأشياء إلى مصالحها
كلما أوجده الله تعالى فإنه هداه لما فيه مصلحته ، كما نبه عليه بقوله تعالى : (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) ، وهدايته لكل شيء ما يناسب خلقه ، فهدايته للجمادات بالتسخير فقط ، كالأشياء الأرضية التي إذا خليت و