ويتغذى بذكر الله وطاعته والشوق إلى لقائه الكريم فيتقوى فيه النور الإلهي ويتجوهر به ، ولأجل ذلك يزداد الجذبة الإلهية ، وفي تجوهره يحصل له نوع من الفناء عن وجوده والبقاء بنور ربه فهو في كل انتشاء بنشأة وتطور بطور بمثابة ميت ذاق الموت والبعث ، فكأنه مات عن نشأة ثم بعث إلى ربه في نشأة أخرى وأحياه الله بنور ربه ، كما قال تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) ، فهذا الموت الذي استحق به الروح الإنساني الأحياء بنور الله ، إنما استفاده من جهة النفس الحيوانية التي هي ذائقة الموت على الوجه المذكور ، ولذلك عقبه بقوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) ، أي نبلوكم بما فيهما من موت النفس وحياة الروح ، فالأول كالمكروهات من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وسائر ما تسمونه شرا ، وفيها موت النفس وحياة القلب ، والثاني كالمحبوبات التي تسمونها خيرا ، وهي الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ، وفيها حياة النفس وموت القلب ، ففي كلتا الحالتين ابتلاء ، فمن صبر على موت النفس بالمكروهات فله البشارة بحياة القلب واطمينان النفس ، ولها حينئذ استحقاق الرجوع إلى ربها بجذبة ارجعي إلى ربك باللطف والكرامة ، كما قال : (وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ).
فقد ظهر مما ذكرناه أن الإنسان السعيد السالك إلى صراط الله المستقيم الواصل إلى درجة الواصلين ، هو الذي حصل له في كل وقت من أوقات حياته الطبيعية له موت وبعث وحشر إلى الله تعالى ، حتى ينتهي به الغاية والمنتهى والرجوع إلى المبدإ الأعلى ، وأن قوله : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) محمول على الحقيقة من غير حاجة إلى التأويل كما فعله المفسرون.
قاعدة
في الكشف عن ماهية الإنسان الحقيقي مظهرا لاسم الله وخليفة الرحمن
قال الله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ