قاعدة
في وجوه الفرق بين كلام الله وكتابه
الفرق بين كلامه تعالى وكتابه ، كالفرق بين البسيط والمركب كما مر. وقد قيل : إن الكلام من عالم الأمر ، والكتاب من عالم الخلق ، وإن الكلام إذا تشخص صار كتابا ، كما أن الأمر إذا تشخص صار فعلا ، كما قال (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ) وقوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
فالفرق بين الكلام والكتاب بوجه ، كالفرق بين الأمر والفعل ، فالفعل زماني متجدد كما ستعلم ، والأمر بريء عن التغير والتجدد ، والكلام غير قابل للنسخ والتبديل ، بخلاف الكتاب : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ، وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ).
فصحيفة وجود العالم الفعلي الخلقي هي كتاب الله عزوجل ، وآياته أعيان الموجودات (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ... لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ).
وأما كلمات الله التامات ، فهي الهويات العقلية النورية التي وجودها عين الشعور والإشعار والعلم والإعلام ، وكما أن كتاب الله مشتمل على الآيات (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) فكلام الله مشتمل على الآيات (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ).
واعلم أن الأمر منه تكويني ومنه تشريعي ، والأمر التكويني موجب للطاعة والقبول كإطاعة الملك والملكوت ، بخلاف الأمر التشريعي لأنه أمر بالواسطة ، فتطرق إليه الإباء والعصيان والطاعة والإتيان «فمنهم من أطاع ومنهم من عصى».
واعلم أن النازل على أكثر الأنبياء ، عليهمالسلام ، من الله هو الكتاب دون كلام الله. وهذا القرآن الذي أنزل على محمد ، صلىاللهعليهوآله ، كلام الله وكتابه جميعا باعتبارين ، وأما سائر الكتب السماوية المنزلة على سائر