أَيَّانَ مُرْساها فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) ، وقوله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) ، قال لعلي عليهالسلام : أنا المنذر وأنت الهادى ، وبالجملة الشريعة هي المشرع العام والقيامة هي المقصد والغاية ، فصاحب الشريعة من حيث هو كذلك يقول (لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) ... (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ).
تبصرة عقلية
لا يخفى عليك أن الدنيا كون ناقص وما فيها أكوان ناقصة ، وجواهرها جواهر ضعيفة الوجود متعلقة الذوات بغيرها ، ولنقص جواهرها وضعف وجودها التدريجي يحتاج النفوس الآدمية ما دامت فيها كالأطفال إلى مهد وداية ، فالمهد كالمكان ، والداية كالزمان ، فكل من الزمان والمكان لغاية ضعف وجودها غير مجتمع الوجود ولا قار الذات ، فوجود كل جزء من الزمان يقتضي غيبة صاحبه ، وحضور كل حصة من المكان يستدعي فقد صاحبه ، وأما وجود الآخرة فهي كون تام مستقل بنفسه ، مستكف بذاته ، وكذا الموجودات الأخروية ، فهي أكوان ثابتة قائمة بذاتها وبذات مبدعها ومنشئها بريئة الذوات عن القوة والاستعداد ، وعن الافتقار إلى الأزمنة والمواد ، وإنما هي مفتقرة بمبدئها الجواد ، «الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ و كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً» ، فليس لمكان الآخرة انقسام وانفصال ولا انصرام وزوال ، ولا لزمانها تجدد وانقضاء ، ولا شروع وانتهاء ، بل هذان على هذا النحو مسلوبان هناك ، لكن إذا أريد أن يخبر عنهما لأهل هذا العالم ، المقيدين بسلاسل الزمان وأغلال المكان ، لا يمكن ذلك إلا بضرب من المثال ، فإذا أشير إلى زمان الآخرة وأجيب عن السؤال عن متاها يعبر عنه بأقل زمان وألطفه ، وهو ما يسميه الجمهور الآن ، (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) ، وإذا أشير إلى مكانها وأجيب عن أينها ، يعبر عنه بأوسع مكان فيقال (جَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) وقد مر أن أمر الإبداع مثل أمر الإعادة ، قوله : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) ، وقوله : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ