من بداية واحدة لمبدإ واحد يتشعب منه كل بداية ومبدإ أثر.
ومن تنور باطنه بنور اليقين ، وشاهد حشر جميع القوى الإنسانية مع تباينها واختلاف ماهياتها وهوياتها إلى ذات واحدة بسيطة روحانية ، ورجوعها إليها واستهلاكها فيها ، كما أنها نشأت (١) وانبسطت منها وتكثرت بوحدتها ، فالروح منه انبساط أشعة القوى على مواضع البدن ، وإليه رجوع أنوارها من محابس مظاهرها ، هان عليه التصديق برجوع الكل إلى الواحد القهار ، وسهل له سلوك سبيل الاهتداء لهذا المطلب الشريف الذي أكثر الخلق عنه غافلون ، وهو «النبأ العظيم الذي عنه معرضون». أما شاهدت يا حبيبي تبدل أجزاء العالم وطبائعها في كل لحظة؟
وأ ما رأيت أنها متزايلة متبدلة دائما بعضها إلى بعض بحركة جوهرية ذاتيه وتوجها جبليا إلى مبدإها وأصلها ، كما قال : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، وقال : (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) ، (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) (٢) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ.
قاعدة
في معرفة طريق الآخرة ومنشإ إعراض الخلق عن سلوكها
اعلم أن طريق الآخرة سهلة يسيرة غير وعرة ولا صعبة ، والنفوس مجبولة على سلوكها ، لأنها التي وقع المرور عليها عند المجيء من ذلك العالم إلى الدنيا ، وقد علمت أن الطبائع كلها متوجهة إلى الغايات ، ثم إن هذا الطريق واضحة والعلامات منصوبة ، والهداة قائمون ، والقواد موجودون ، والمعلمون من قبل الله مرسلون ، والكتب والرسائل منزلة ، كما قال تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ) ، وقوله : (وَلَقَدْ
__________________
(١) ـ تعليل ودليل الرجوع القوى إلى ما نشأت منه كما بدأكم تعودون (نوري قدسسره)
(٢) كأنه إشارة إلى عموم رجوع كل شيء بأية صورة كانت ورجعت وعادت فافهم كما قال لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء إلا أنه بكل شيء محيط (نوري قدسسره)