قاعدة
في نتائج الإعراض عن سلوك سمت المعاد بتكميل النفس وتطهيرها ، وتنوير القلب وتهذيبه ، وهي الظلمة وضيق الصدر وعذاب القبر والاحتراق بنار الجحيم والحرمان عن لذات النعيم والاحتجاب عن جمال رب العالمين.
وذلك لما مر أن قوام النشأة وحياة القلب أنما يكون بالعلم والمعرفة فمن لا علم له لا قوام لنفسه ولا حياة لقلبه ولا نور له.
واعلم أن دار الآخرة دار حيوانية علمية ، ووجودها وجود إدراكي ، ليست كدار الدنيا التي هي دار الموت والزوال والجهل والظلمة ، قال تعالى (إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ، فبقدر نور المرفة تكون قوة السعي وسرعة المشي إلى منازل الآخرة ، قال (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) ، فمن لا نور له لا عيش له هناك ، قوله (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى).
واعلم أن للعمى مراتب ، أعني عمى القلب الحقيقي (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ، والمراد من الصدر أيضا الصدر المعنوي الذي هو النفس الحيوانية البشرية المدركة للجزئيات ، وتلك المراتب هي مثل الغشاوة ، (فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) ، والختم ، (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) ، والطبع ، (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) ، والرين (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) ، وهذا غاية مراتب العمى المؤدية إلى الحرمان واليأس وأعظم الحجب الاحتجاب من الحق ، (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ).