أن الأمر كلام ، والفعل كتاب ، وأن القائم بالمتكلم كلام ، والصادر منه كتاب. فالإنسان مثلا لكونه ذا درجات بحسب النفس والبدن وهو بحسب كل مقام غير خارج عن الهوية الإنسانية إذا تكلم بألفاظ وحروف مسموعة ، فإذا نسبت تلك الألفاظ والحروف إلى نفسه ، كان كتابا له وفعلا صادرا عنه صنعه وكتبه في لوح الهواء وفي مخارج الحروف من الأعضاء ، وإذا نسبت إلى شخص بدنه كان كلاما قائما بشخصه ، لا كتابة صادرة عنه. وكذا القياس إذا تحدث بحديث النفس ، كان باعتبار نسبته إلى عقله المجرد بالصدور كتابا ، ومن حيث قيامه بالنفس واتصافها به كلاما لها ، فهو كتاب لعقله وكلام لنفسه. وكذا الحال في الكتابة الموجودة في لوح وقرطاس يمكن اعتبار الحالين فيها بالصدور والقيام ولو بتعمل. تأمل في ذلك فإنه دقيق لطيف يرفع به الخلاف بين الطائفتين.
قاعدة
في وجوه الفرق بين إنزال كلام الله على قلب النبي ، صلىاللهعليهوآله ، وبين إنزال الكتب السماوية وتنزيلها إلى سائر الأنبياء عليهمالسلام.
قوله تعالى : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي نزل على قلبك حقائق القرآن وأنواره متجلية بسرك ، لا صورة ألفاظ مسموعة أو مكتوبة على ألواح زمردية مقروة لكل قارئ.
دليل ذلك قوله تعالى : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) يعني نزل بالحقيقة لا بالتصوير والحكاية. وقوله : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ، وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) يعني ما كنت تكتسب بالدراية والفهم صورة ما في الكتب العلمية ، ولست تتعلم الإيمان من معلم غير الله ، ولكن جعل الله قلبك نورا عقليا تتنور به حقائق الأشياء ويهتدي بها إلى ملكوت الأرض والسماء. وقوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ ، بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) وقد