أخذ أرواحهم من ظهور آبائهم العقلية ، فهذا مقام عقلي تفصيلي (١) لأفراد الناس بعد وجود أعيانهم في علم الله على وجه بسيط عقلي ، وقال إشارة إلى مقام آخر بعد المقامين المذكورين : (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) الآية ، فهذه أيضا نشأة سابقة للإنسان على نشأته الدنياوية ، فإذا ثبت أن له أطوارا سابقة على هذا الوجود ثبت أن له العود إليها تارة أخرى ، إما سعيدا ، أو شقيا محبوسا في بعض المحابس والسجون.
وبالجملة من علم أنه من أين يجيء إلى هذه الدار ، يعلم أنه إلى أين يذهب ، بقوله : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) ، وقوله (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ).
تنبيه استبصاري
اعلم أن الإنسان لو علم ذهاب بدنه وقلد طبيعته في السلوك إلى الكمال ، وسلك في ذهاب نفسه وتصرف أحوالها كما سلك في مذهب جسده وصورة بدنه ، سيبلغ أقصى الغايات إن شاء الله ، فما سلكت فيه طبيعة بدنه وذهب إليه مسافر جسده ، أنه ابتدئ من تراب ثم من نطفة ثم كان علقة ثم مضغة ثم جنينا مصورا ثم طفلا متحركا حساسا ، ثم صار صبيا زكيا ، ثم شابا متصرفا قويا نشيطا متفكرا ، ثم يكون كهلا مجربا عاقلا أو مكارا محيلا ، ثم يكون شيخا حكيما كاملا أو زنديقا كافرا ، فله أن يصير بعد الموت إن
__________________
(١) التفصيلي الوجودي ، وقوله على وجه بسيط عقلي تعني من الوجه البسيط العقلي في علم الله ، العلمي الكمالي الذاتي السابق على وجود الأشياء وإيجادها وعلى العلم بها في مراتب وجودها الوجود الإجمالي ، وقوله إلى مقام آخر بعد المقامين يعني الوجود الملكوتي الصوري المثالي الذي هو عالم الأشباح بعد عالم الأرواح العقلية ، وتلك الأرواح والأشباح السابقة على وجودهم في النشأة الدنياوية نشأتها نشأة الدهر بقسميه الأيمني والأيسري ، والدهر باطن الزمان وسره ، والوجود الدنياوي زماني والزمان ظل الدهر ، وعن الأيمني والأيسري من الدهر الداهر يخبر قوله صلىاللهعليهوآله إن الأرواح خلق قبل الأبدان بألفي عام والإخبار بهذا الأخبار عنهم كثيرة جدا (نوري قدسسره)