إعلام كشفي
اعلم ن حشر الخلائق على أنحاء مختلفة لما علمت سابقا من أن الإنسان سيصير أنواعا مختلفة بحسب الباطن والروح ، بعد أن كان نوعا بحسب الطبيعة البشرية ، وذلك من جهة اختلاف ملكاتهم الحاصلة من تكرر أعمالهم ، فالحشر لقوم على سبيل الوفد إلى الحق (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) ، ولقوم على سبيل الانسياق إلى جهنم وقوله : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) ، ولقوم على سبيل التعذيب (يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ) ، وقوم كما في قوله : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) ، وقوله (يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) ، وقوم كما قال : (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) ، وقوم كما قال : (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى).
وبالجملة يحشر كل أحد إلى غاية سعيه وعمله ونهاية قصده ونيته وهمته وما يحبه ويشتاق إليه ، «المرء يحشر مع من أحب» ، كما قال : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ) ، وقوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ) ، حتى أنه «لو أحب أحدكم حجرا يحشر معه».
بصيرة برهانية
قد سبق أن تكرر الأفاعيل من الإنسان يوجب حدوث ملكات وأخلاق في نفسه ، وكل ملكة وصفة تغلب على جوهر النفس يتصور النفس في القيامة بصورة تناسبها ، ولا شك أن أفاعيل الأشقياء المدبرين المردودين إلى أسفل سافلين بحسب هممهم القاصرة عن الارتقاء إلى جهة عليين ، مقصور على أغراض بهيمية أو سبعية غلبت عليهم شقوتهم ، ونفوسهم مردودة في البرازخ الحيوانية ، فيحشرون على صور تلك الحيوانات في الدار الآخرة ، فإن حقيقة كل نوع ليست مادتها بل صورتها التي هي بها بالفعل ، سواء كانت بلا مادة أو في مادة ، وسواء كانت المادة من هذا العالم أو من عالم