وقعت الإشارة إلى أن تعليم القرآن من قبل الله بأن يتجلى بنور الحكمة الذي هو حقيقة الكلام ونور الإيمان على قلب من كان من عباده الكرام وأحبائه العظام. وبالجملة ، القرآن خلق النبي ، صلىاللهعليهوآله ، كما مر وسائر الكتب ليست كذلك. وبالجملة من علمه الله القرآن بهذا التعليم ، كان عليه من الله فضلا عظيما ، كما قال لحبيبه ، صلىاللهعليهوآله : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ، وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً).
بل نقول التعليم على ثلاثة أقسام : تعليم بشري ، وتعليم ملكي ، وتعليم إلهي. والأول ، كما لسائر الناس ، والثاني ، كما لسائر الرسل «عليهمالسلام» ، كان يمثل لهم الملك ويعلمهم الكتاب ، والثالث ، كما لخواص الأنبياء وعظماء الأولياء عند عروجهم المعنوي إلى الله. وإلى هذه الأقسام الثلاثة أشار بقوله : تعالى : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ، أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) فالأول هو التعليم الإلهي ، والثاني هو الملكي ، والثالث هو البشري ، فافهم أن كنت من أهله. ولا يفهم هذه الرموز إلا من خرج طائر روحه الأمري من قالبه البشري ونفسه فإنه منطق الطير ، وأنت بعد بيضة محبوسة في القشر الصوري ، لست من السيارين في أرض الملكوت ولا من الطيارين في جو الجبروت.
وجه آخر من الفرق ، إنه قال تعالى : (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) وقال : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ) وقال في حق القرآن : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ ، هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) والفرق ظاهر بين كتاب فيه هدى للناس ويستوون في هداه الأنبياء والأمم ، وبين كتاب فيه هدى الأنبياء والمتقين من هذه الأمة المخصوصين بالعناية ، كما قال : (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) وجه آخر ، قال : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً) وقال في حق القرآن : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) وقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً).
والفرق عظيم بين الكتابة والوحي ، وكذا بين الموعظة والبرهان ،