السقوط عن الفطرة ، (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ) والوقوف على الوجه الثاني يوجب الشق والقطع ، كما قيل : من وقف عليه شقه ، وإليه الإشارة بقوله (يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ) ، وقوله : (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) ، وعن النبي صلىاللهعليهوآله في قوله تعالى : (أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) ، أي «مروا على صراط الآخرة مستويا من غير انحراف وميل» فمعنى حسن الخلق الوسط بين الإفراط والتفريط ، فخير الأمور أوسطها ، وكلا طرفي قصد الأمور في الدنيا ذميم ، ولذلك قال تعالى (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) ، وقال (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) ، وقال (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ).
وتحقيق ذلك أن كمال الآدمي بحسب العمل ، التجرد والبراءة عن هذه الأوصاف المتضادة الحيوانية ، وليس في قدرة البشر الانفكاك عنها بالكلية ، لكن التوسط بين الأضداد بمنزلة الخلو عنها ، وكلا جانبي هذا الصراط الجحيم ، ووسطها طريق الجنة ، ولهذا قيل «اليمين والشمال مضلة» وكماله بحسب العلم هو تحصيل نور الإيمان واليقين ، وغايته أن يصير إيمانه عيانا ، وعلمه عينا ، ويقينه شهودا حقا.
مشاهدة قلبية
هذا الصراط يظهر يوم القيامة على الأبصار وعلى قدر نور اليقين للمارين عليه إلى الآخرة ، وبحسب شدة نور يقينهم يكون قوة سلوكهم وسرعة مشيهم ، فيتفاوت درجات السعداء بتفاوت نور معرفتهم وقوة يقينهم وإيمانهم ، لأن المعارف أنوار ولا يسعى المؤمنون إلى لقاء الله إلا بقوة أنوارهم ، كما قال : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ).
وقد ورد في الخبر أن بعضهم يعطي نورا مثل الجبل ، وبعضهم أصغر ، ويكون آخرهم رجلا يعطي نورا على قدر إبهام قدمه ، فيضيء مرة ويطفي