هدى للمتقين وعمي وغشاوة على أبصار المنافقين المتكبرين ، (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) وسميتها «بأسرار الآيات وأنوار البينات» وجمعتها في مقدمة وأطراف مشتملة على مشاهد.
المقدمة
في بيان طريق السالكين إلى الله ومنهج الراسخين في العلم وفيها عدة قواعد.
قاعدة
في أن رأس السعادات ورئيس الحسنات هو اكتساب الحكمة الحقة ، أعني : العلم بالله وصفاته وأفعاله وملكه وملكوته ، والعلم باليوم الآخر ومنازله ومقاماته من البعث والحشر والكتاب والميزان والحساب والجنة والنار وهي الإيمان الحقيقي والخير الكثير والفضل العظيم المشار إليه في قوله تعالى (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ) ، إلى قوله (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) وقوله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ، ...) إلى آخر الآية ، والإشارة إلى أن الكفر والضلال مقابل هذا العلم ، أعني الجهل بهذه المعارف. قوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) فظهر أن الاعتقاد بهذه الأمور هو الإيمان الحقيقي وبه يحصل الكرامة عند الله والزلفى لديه. وذلك ، لأن الإنسان باكتساب هذه العلوم الإلهية يصير من حزب الملائكة المقربين بعد ما كان من جنس الحيوانات المبعدين ، لما تقرر في مقامه بالبرهان : أن النفس الناطقة يترقى في الاستكمالات العلمية من حد العقل الهيولاني الذي هو جوهر نفساني بالفعل ، لكنه مادة روحانية