المشهد السابع
في الإشارة إلى نشر الصحائف وإبراز الكتب وكرام الكاتبين
اعلم أن القول والفعل ما دام وجودهما في أكوان الحركات والأصوات فلاحظ لهما من البقاء والثبات ، ولكن من فعل فعلا أو نطق بقول يحصل منه أثر في نفسه وحاله يبقى زمانا ، وإذا تكررت الأفاعيل والأقاويل استحكمت الآثار في النفس ، فصارت الأحوال ملكات ، إذ الفرق بين الحال والملكة بالشدة والضعف ، والاشتداد في الكيفية يؤدي إلى حصول صورة ، أي مبدإ جوهري لها كالحرارة الضعيفة في الفحم إذا اشتدت صارت صورة نارية محرقة ، كذلك الكيفية النفسانية إذا اشتدت صارت ملكة راسخة ، أي صورة نفسانية هي مبدأ لآثار مختصة بها فيصدر بسببها الفعل المناسب لها بسهولة من غير روية وحاجة إلى تعمل وتجشم اكتساب من خارج ، ومن هذا الوجه يحدث ملكة الصناعات والمكاسب العلمية والعملية ، ولو لم يكن للنفوس الآدمية هذا التأثر أولا ثم الاشتداد يوما فيوما لم يكن لأحد اكتساب شيء من الصناعات والحرف ، ولم ينجع التأديب والتعليم لأحد ، ولم يكن في تأديب الأطفال وتمرينهم على الأعمال فائدة ، وذلك ، قبل رسوخ أخلاق مضادة لما هو المطلوب في نفوسهم ، ولأجل ذلك يتعسر تعليم الرجال البالغين وتأديبهم ، لاستحكام صفات حيوانية في نفوسهم بعد ما كانت هيولانية قابلة لكل صنعة وعلم ، كصحيفة خالية من النقوش والصور ، فالآثار الحاصلة من الأعمال والأقوال في القلوب بمنزلة النقوش الكتابية في الألواح والصحائف ،