الباطنية ، ويعلم بها حقها من باطلها ، ويوزن بها نقود الحقائق العقلية وجواهر الصور الإدراكية ، ليميز رائجها في سوق الآخرة من زيفها وخالصها من مغشوشها ، وعلمنا بتعليم رسول الله صلىاللهعليهوآله كيفية الوزن به ومعرفة أقسامه الخمسة وتميز مستقيمها عن مائلها ، حيث قال : (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) ، فمن يعلم هذه الموازين الخمسة التي أنزلها في كتابها المنزل على رسوله وعلم بها أنبيائه وعباده الصالحين فقد اهتدى ، ومن عدل عنها وعمل بالرأي والتخمين فقد ضل وغوى وتردى إلى الجحيم.
فإن قلت : أين ميزان العلوم في القرآن وهل هذا إلا إفك وبهتان ، قلنا : ألم تسمع قوله تعالى في سورة الرحمن ، (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ) إلى أن قال : (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) ... (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) ، ألم تسمع في سورة الحديد : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) ، أتزعم أيها العاقل أن الميزان المنزل من عند الله مع إنزال الكتاب المقرون اسمه باسم الكتاب هو ميزان البر والشعير والأرز والأقط (١) وغيرها؟ أتتوهم أن الميزان المقابل وضعه لرفع السماء هو القبان والطيار وأمثالهما ، ما أبعد هذا الحسبان ، وما أسخف هذا البهتان ، واتق الله يا أخي ولا تتعسف في باب التأويل واترك الجهالة واللجاج (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ).
واعلم أن هذا الميزان برهان معرفة الله وصفاته وأفعاله وملائكته وكتبه ورسله وملكه وملكوته ، ليعلم كيفية الوزن به تعليما من قبل أنبيائه عليهمالسلام كما تعلم الأنبياء من ملائكته ، فالله هو المعلم الأول ، والمعلم الثاني جبرئيل ، وثالث المعلمين هو الرسول صلىاللهعليهوآله ، وأول من استعمل هذا الميزان بتعليم الله وتعليم جبرئيل هو أب الأنبياء وشيخهم إبراهيم الخليل ثم سائر الأنبياء إلى ابنه المقدس محمد صلىاللهعليهوآله وقد
__________________
(١) الجبن.