تبصرة ميزانية
ومن الأمور التي لا بد من معرفتها لكل أحد ممن آمن بالله وباليوم الآخر ، وهو أن يعلم كيفية الموازنة بين الأمور الدنيوية والأخروية ، وتحقق التطابق بين النشأتين ، فمن فتح على قلبه بإذن الله باب الموازنة بين العالمين ، عالم الملك والملكوت ، عالمي الغيب والشهادة ، يسهل عليه سلوك سبيل الله وملكوته ، واطلع على أكثر أسرار القرآن وأغواره ، وشاهد حقائق آياته وأنواره ، مما غفل كافة علماء الرسوم ومتفلسفة الحكماء المشهورين بالفضل والذكاء من هذه الموازنة ، وهي باب عظيم في معرفة أحوال الأشياء وحقائق الموجودات على ما هي عليها ، سيما معرفة أمور المعاد ، وهو أول مقامات النبوة ، لأن مبادي أحوال الأنبياء عليهمالسلام أن يتجلى لهم في المنام النشأة الثانية ، ويتصوروا حقائق الأشياء في كسوة الأشباح المثالية ، لأن الرؤيا الصادقة جزء من أجزاء النبوة ، ولا يتجلى حقائق الأشياء بلا التباس إلا في عالم القيامة لقيامها بذواتها ، وأما في هذا العالم فهي في أغطية من الصور الحسية ، والآن (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ، فتأمل في هذا المقام فعساك تنفتح لك روزنة إلى عالم الملكوت ، وإلا فما زلت متوجها إلى ملابس عالم التقليد الحيواني ، مصروف الهمة والوجهة إليه من أنوار الملكوت ، مستفيدا من آثار الحس والتقليد ، فمحال أن يتجلى لك شيء من عجائب الحكمة وغوامض أسرار القيامة.
تذكير
اعلم يا حبيبي إنك مسافر من الدنيا إلى الآخرة ، وأنت تاجر أيضا ورأس مالك حياتك الدنياوية ، وتجارتك هي اكتساب القنية العلمية ، وهي زاد سفرك إلى معادك ، وفائدتك وربحك هي حياتك الأبدية تنعمها بلقاء الله ورضوانه ، وخسرانك هو هلاك نفسك باحتجابك عن جوار الله ودار كرامته.