الإيمان عن قيد الطبيعة وأسر الدنيا فذاته مرهونة بعمله ، فهو بحسب مزاولة الأعمال والأفعال وثمراتها ونتائجها وتجاذبها للنفس إلى شيء من الجانبين بمنزلة ميزان ذي كفتين ، إحدى كفتيه تميل إلى الجانب الأسفل أعني الجحيم بقدر ما فيها من متاعها متاع الدنيا الفانية وزادها ، والأخرى تميل إلى العالم الأعلى ودار النعيم بقدر ما فيها من متاع الآخرة وزادها ، ففي يوم القيامة ويوم العرض الأكبر إذا وقع تعارض بين الكفتين ، والتجاذب إلى الجنبتين ، فالحكم من الله العلي الأكبر لكل أحد في إدخاله إحدى الدارين ، دار النعيم ودار الجحيم على حسب ميزانه من جهة رجحان إحدى الكفتين ، كفة الحسنات وكفة السيئات.
واعلم أن كفة الحسنات في جانب المشرق وكفة السيئات في جانب المغرب ، وأن الأولى كفة أصحاب اليمين والأخرى كفة أصحاب الشمال ، ثم لا يذهب عليك أنه إذا وقع الترجيح والمجازاة ونفذ الحكم وقضي الأمر ، تصير الكفتان كلتاهما في حكم واحدة في اليمينية والشمالية والمشرقية والمغربية والجنانية والجحيمية ، فأهل السعادة كلتا يديهم تصير يمينية ، وكلتا يدي أهل الشقاوة تصير شمالية.
قاعدة
في الحساب
الحساب جمع متفرقات شتى ليعلم حاصل مجموعها ، وقد سبق أنه ما من إنسان إلا وله متفرقات أعمال وأقوال ، ولأعماله وأقواله المتفرقة آثار ونتائج في القلب تنويرا وإظلاما وتقريبا إلى الله تعالى وتبعيدا عنه ، ولا يعلم فذلكتها ولا يعرف جمع متفرقاتها الآن إلا الله ، فإذا أحضرت الملائكة فذلكة متفرقاتها ، وحاصل أعدادها ، وصورة نتائجها وجمعية ثمراتها بإذن الله تعالى كانت حسابا بهذا الاعتبار ، وباعتبار إثباتها في صحيفة مكتوبة كتبها كرام الكاتبين كانت كتابا ، فكل أحد يصادف يوم الآخرة جامع كل دقيق وفيدخلون جهنم بلا حساب ، وقسم منهم صدر منهم بعض الحسنات لكن وقع في حقهم قول : (وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، وقوله : وقدمنا