جليل من أعماله وأقواله في صحيفة باطنية ، طويت منا اليوم ونشرت يوم القيامة ، وهي كتاب حفيظ لقوله تعالى : (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) ، وقوله : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) ، ففي قدرة الله تعالى أن يكشف في لحظة واحدة للخلائق كلهم حاصل حسناتهم وسيئاتهم (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ).
قاعدة
في الإشارة إلى طوائف الناس من جهة الحساب
الناس يوم القيامة صنفان ، صنف يدخلون الجنة ويرزقون من نعيمها ، وهم ثلاثة أقوام ، منهم المقربون الكاملون في المعرفة والتجرد ، وهم لتنزههم وارتفاع مكانتهم عن شواغل الكتاب والحساب يدخلون الجنة بغير حساب ، كما قال تعالى في حقهم : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ، ومنهم جماعة من أصحاب اليمين لم يقدموا في الدنيا على معصية ولم يقترفوا سيئة ولا فسادا في الأرض ، لصفاء ضمائرهم وقوة نفوسهم على فعل الطاعات وإيتاء الحسنات ، فهم أيضا يدخلون الجنة بغير حساب ، كما قال : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ، ومنهم جماعة نفوسهم ساذجة وصحائف أعمالهم خالية عن آثار السيئات والحسنات جميعا ، «فينالهم الله برحمة منه وفضل لم يمسسهم سوء العذاب (١)» ، لأن جانب الرحمة أرجح من جانب الغضب ، إذ لا يمكن هنا رجحان إلا مجرد الإمكان ، وتحقق قابليته مع عدم المنافي ، فهؤلاء أيضا يدخلون الجنة بغير حساب ، وقد قال : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) ، وقال : سبقت رحمتي غضبي.
وأما الصنف الثاني الذين هم أهل العقاب فهم أيضا ثلاثة أقسام ، منهم صحيفة أعمالهم خالية من العمل الصالح ولا محالة يكون كافرا محضا ،
__________________
(١) ـ هذه ليست بآية ، بل تركيب من آيات مختلفة.