المشهد الثاني عشر
في سر شجرة الطوبى وشجرة الزقوم
قال سبحانه : (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) ، وقال (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) أي طعام الآثمين ، إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم يعني طبيعة الدنيوية ، طلعها كأنه رءوس الشياطين والطلع عبارة عن مبدإ وجود البذر الموجب لحصول الأثمار وبروزها عن الأكمام ، والأثمار هي الأغذية ، كأنه أي كل طلع منها رأس شيطان من الشياطين وهي الأهوية المردية المغوية والأماني الباطلة التي تتغذى بها وتتقوى نفوس أهل الضلال ، ويمتلي بها طبائعهم وبواطنهم من الشهوات الدنيوية الموجبة لنار الجحيم والعذاب الأليم ، قال تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) ، أي يملئون بطونهم أي نفوسهم من الشهوات ومواد الأمراض النفسانية الباعثة لفنون من العذاب وأنواع من المحن والآلام في الآخرة ، كمن أدى به نهمته إلى الحمى والصداع وغيرها من الأوجاع والأمراض.
واعلم أن النفس الإنسانية إذا كملت في العلم والعمل صارت كشجرة طيبة فيها ثمرات العلوم الحقيقية وفواكه المعارف اليقينية ، وكانت أصولها علوم ثابتة ، وفرعها نتائج هي حقائق عالم الملكوت ومعارف عالم اللاهوت ، هذا من حيث قوة العلم والإدراك ، وأما من حيث قوة العمل والتأثير ، فكون الإنسان بحيث كلما تريده نفسه وتشتهيه فيحضر عنده بقوته الباطنية القوية على إحضار الصور المطلوبة دفعة من غير مهلة ، لما مرت الإشارة إليه سابقا