قاهرا ، وهو محال (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) ولهذا ورد النهي عن التفكر في ذات الله ، لقوله صلىاللهعليهوآله : «تفكروا في آلاء الله ، ولا تتفكروا في ذات الله» ولأنه تحترق النفس في إدراك أشعة نور وجهه ، فكيف في نور وجهه فلا يمكن الوصول إلى معرفة ذاته إلا بفناء السالك عن نفسه ، وباندكاك جبل إنيته ، حتى شهد ذاته تعالى على ذاته ، كما قال بعض العارفين «عرفت ربي بربي ، ولو لا ربي ما عرفت ربي» وعن أبي عبد الله عليهالسلام «من زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك ، لأن حجابه ومثاله وصورته غيره ، وإنما هو واحد متوحد ، وكيف توحده من زعم أنه عرفه بغيره. وإنما عرف الله من عرفه بالله ، فمن لم يعرفه به ، فليس يعرفه وإنما يعرف غيره» ولأجل ذلك لا يشتمل القرآن من معرفة الذات في الأغلب ، إلا على تقديسات محضة وتنزيهات صرفة وسلوب عن نقائص وإمكانات كقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وكقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وكقوله : (وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ ـ الْفُقَراءُ) وكسورة الإخلاص ، أو على تلويحات وإشارات إلى التعظيم المطلق ، كقوله : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) وقوله : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) ، و (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) وقوله تعالى (عَمَّا يَصِفُونَ) أو إضافات محضة كقوله :
(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وقوله : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ).
وأما الصفات ، فالمجال للفكر فيها أفسح ، ونطاق النطق فيها أوسع ، لأنها مفهومات عقلية يقع فيها الاشتراك ، إلا أنها فيه على وجه أشرف وأعلى ، وأن مصداقها في الأول تعالى ذاته بذاته ، وفي غيره ليس كذلك. ولأجل ذلك اشتمل القرآن على ذكر تفاصيلها في كثير من الآيات ، كما في قوله : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وقوله : (هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وكقوله : (الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) وقوله : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) وفي هذا القسم أيضا غموض شديد ، وتعسر تام ، ولا يمكن معرفة بعض الصفات ، كالكلام والصفات التشبيهية ، إلا لأهل البصائر الثاقبة ، كالسمع ، والبصر ، والاستواء على العرش ، والابتلاء ، والمماكرة ، والتردد ، والذهاب ، والمجيء ، والكراهة ، والتأذي ، وكالوجه ، واليد ، والجنب ،