قاعدة
في كيفية تجدد الأحوال والآثار على أصحاب الجنة وأصحاب النار
أما أهل النار فلا شبهة في تجدد أحوالهم وتبدل جلودهم واستحالة أبدانهم ، وتقلبها من صورة إلى صورة لقوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) ، ولا شبهة في أن تبدل الأبدان واستحالة المواد لا بد فيه من حركة دورية صادرة عن أجسام سماوية محيطة بأجسام ذوات جهات متباينة كائنة فاسدة ، فيكون الحكم في أهل النار بحسب ما يعطيه الأمر الإلهي بما أودعه من القوة المحركة الجابرة للفلك الأقصى على حركاته ، والكواكب الثابتة في سباحة الدراري السبعة المطموسة الأنوار ، فهي كواكب لكنها ليست بثواقب ولا مضيئة ولها تأثيرات في حق أهل النار بفنون من العذاب وصنوف من العقاب بحسب ما يقتضيه سوابق أعمالهم ومبادي أفعالهم واعتقاداتهم ونياتهم ، ولهذا قال بعض العرفاء إن حكم النار وأهلها يقرب من حكم الدنيا وأهلها ، وليس للذين هم من أهلها الخالدين فيها بعد استيفاء العذاب وانقضاء مدة العقاب نعيم خالص ولا عذاب خالص ، كما قال : (لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) ، والسبب في ذلك أنه بقي فيهم ما أودع الله فيهم من آثار حركات الأفلاك ، ولم يقع لهم توفيق الخروج من حكم الطبيعة وتأثيرها ، فلا جرم لم ينجوا من عذاب النار وإن تغير منهم على قدر ما تغير من صور الأفلاك والكواكب من التبديل والطمس والانكدار والانتثار ، ولا تغير لها بحسب الذات إلا ما شاء الله كما قال : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ ، إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ).
وأما أصحاب الجنة فليس لهم هذا التبدل والاستحالة والكون والفساد ، لارتفاع نشأتهم عن نشأة الطبيعة وحكمها ، فحركاتهم وأفاعليهم نوع آخر ، ما فيها نصب ولا تعب وأعمالهم ما فيها لغوب لأن السماوات و