وجوده ، ومحدد يحدده بحد الخاص ، ويخرجه من القوة إلى الفعل ، ومن الإمكان إلى الوجوب ، إذ كل ما ليست حقيقته حقيقة الوجود فلا يقتضي ماهيته وجود ، ولا هويته حدا خاصا من الوجود ، فيحتاج إلى قاهر عليه محدد له مفيد لمرتبة المعين في الوجود ، وذلك المقتضي يجب أن يكون مقدما في الوجود على الجميع تقدم البسيط على المركب ، والواحد على الكثير ، والتام على الناقص ، والغني على الفقير ، والفياض على المفاض عليه فحقيقة الحق الأول هو البرهان على ذاته والبرهان على كل شيء ، كما قال جل شأنه : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فهذه سبيل الصديقين الذين يتوسلون به إليه ويستدلون به عليه ويستشهدون بوجوده على سائر الأشياء لا بوجود الأشياء عليه ، كما في طريقة غيرهم من السالكين الذين يستدلون بوجود الأثر على الصفات وبالصفات على الذات ، وهي طرق كثيرة ، أجودها منهجان :
أحدهما ، معرفة النفس الإنسانية (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) ، وهذا أجود الطرق بعد طريق الصديقين ، لأن المسلك هاهنا عين الطالب وفي طريقهم عين المطلوب.
وثانيهما ، النظر في الآفاق والأنفس ، كما أشار إليه تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) وفي القرآن آيات كثيرة في هذا المنهج ، قد مدح الله على الناظرين في خلق السماوات والأرض ، وأثنى على المتفكرين في آثار صنعه وجوده.
قاعدة
في تحقيق الإيمان بالله واليوم الآخر ، قال الله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ...) وقال : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) دلت الآيتان على أن الإيمان يحصل بمعرفة هذه الأمور والتصديق بها وقال :