قاعدة
في توحيده في الإلهية كما في وجوب الوجود
قال تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) إله العالم واحد لا شريك له في الإلهية وبراهينه كثيرة ، فمن جملة الطرائق فيه النظر في وحدة العالم ، فإنه قد ثبت بالبرهان أن العالم كله شخص واحد وحدة طبيعية بعض أجزائه أعلى وأشرف من بعض ، فالكل حيوان واحد ناطق مسمى بالإنسان الكبير ، وأن عالم الأجسام بمنزلة بدنه وعلنه ، وعالم الأرواح بمنزلة روحه وسره ، والمجموع منتظم في سلك واحد ، ولا يمكن تعدد العالم الجسماني ولا تعدد العالم الروحاني ، إلا على سبيل إحاطة بعضها بعضا ، وعلية بعضها لبعض وارتباط بعضها لبعض كارتباط الجسم بالروح ، فإذا كان كذلك ثبت وحدة إله العالم ، لأن الإلهية لا يتم إلا بكون الباري صانعا للعالم فإذا كان العالم واحدا كان إله العالم وصانعه واحدا لا شريك له في الإلهية كما لا شريك له في ذاته ، كما قال : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ) وقال : (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ، عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) ، (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) وذلك لأن تشخص المعلول بتشخص فاعله المفيض لوجوده ، إذ الوجود في كل شيء عين تشخصه ، وتشخصه عين وجوده ، فمفيض وجوده مفيض تشخصه ، وكما لا يكون لشيء واحد شخصي وجودان ولا تشخصان ، فكذلك لا يكون له موجدان مشخصان ، لأن أنحاء الوجود والتشخص متباينة متنافية ، والاتصاف بكل منهما يقتضي نفي الاتصاف بغيره ، فكذا الحال في الاتصاف بمبدإ به وجود وتشخص ، فإذا فرض لشيء واحد وجودان فهما متفاسدان ، إذ لا ترجيح لأحدهما على الآخر ، فهذا معنى الآية لا الذي توهمه