تنبيه مشرقي
ومما ينبهك على أن وجوده تعالى وجود كل شيء ، أن وجوده عين حقيقة الوجود وصرفه من غير شوب عدم وكثرة ، فلو لم يكن وجودا لكل شيء لم يكن بسيط الذات ولا محض الوجود ، بل يكون وجودا لبعض الأشياء وعدما للبعض ، فلزم فيه تركيب من وجود وعدم ، وخلط بين إمكان ووجوب ، وهو محال. فإذن يجب أن يكون وجوده تعالى لكونه صرف حقيقة الوجود ، وجودا لجميع الموجودات (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) فلا يخرج من كنه ذاته شيء من الأشياء ، لأنه تمام كل شيء ومبدؤه وغايته ، وإنما يتعدد ويتكثر وينفصل لأجل نقصاناتها وإمكاناتها وقصوراتها عن درجة التمام والكمال ، فهو الأصل والحقيقة في الموجودية ، وما سواه شئونه وحيثياته ، وهو الذات ، وما عداه أسماؤه وتجلياته ، وهو النور ، وما عداه ظلاله ولمعاته ، وهو الحق ، وما خلا وجهه الكريم باطل (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ، (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ).