ففيه إشارة إلى أن فعل الصلاة وفعل الحج الذين هما عمدتا الأعمال البدنية والطاعات ليسا مثل الإيمان واليقين بالأمور المذكورة. وقال (الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ) هذا تعريف المؤمن ولم يدخل في حده إلا هذه المعارف الحقيقية لا شيء من الأعمال ، فلو فرض حصول هذه المعارف على وجهها في قلب أحد من الآدميين من دون عمل حسنا كان أو قبيحا ، لكان مؤمنا حقا فائزا بالسعادة الحقيقية من غير قصور وخلل في إيمانه. وهذا وإن كان مجرد فرض لكن الغرض التنبيه على أن العرفان هو الأصل والعمود والعمل فرع له. وقد حث سبحانه عباده في كثير من الآيات على اكتساب العلم بالنظر والاعتبار والتأمل في أفعاله والتدبر في آياته وآثاره ، مثل قوله : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) وقوله : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا ، أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) وقوله : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) وقوله : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ).
قاعدة
في أن الجهل بهذه المعارف الإلهية وجحودها مع وجود الاستعداد وقوة التعلم ومكنة التحصيل رأس الشقاوات والعقوبات وأنه مادة كل مرض ونفاق نفساني ومغرس كل شجرة ملعونة وشجرة خبيثة في الدنيا والآخرة وهو منشأ العذاب الأليم والخسران العظيم والحسرة والندامة يوم القيامة.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ ، لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) وقوله تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ : رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً ، قالَ : كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) وقوله (اسْتَحْوَذَ) ، أي غلب (عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ ، فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ