كونه مشعورا به إلى عمل من تجريد أو تلخيص ، بل وجوده وجود إدراكي ، وهو حي بحياة ذاتية ، وهكذا جميع الصور الأخروية سواء كانت محسوسة أو معقولة ، والواجب جل ذكره لكونه بريء الذات عن شوب العدم والجسمية والتركيب والإمكان ، فهو في أعلى مرتبة المدركية والمدركية والعاقلية والمعقولية ، ولأنه مبدأ وجود العقلاء وفياض الصور العلمية على ذواتهم وواهب الروح والحياة على الكل ، فيكون عاقلا لذاته ولسائر الأشياء فإن العلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول. قال تعالى : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) قوله : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) وقوله : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) الى قوله : (فِي كِتابٍ مُبِينٍ).
قاعدة
في مراتب علمه تعالى بالأشياء إجمالا وتفصيلا
فمنها ، العناية وهي العلم بالأشياء الذي هو عين ذاته المقدسة ، وهو العقل البسيط لا تفصيل فيه ولا إجمال فوقه. والعناية علم تفصيلي متكثر ، وهي نقش زائد على ذاته تعالى عند أصحاب أرسطاطاليس وأتباعه من المشائين. والتحقيق أنها غير زائدة على الذات وليس لها محل لما أشرنا إليه سابقا من أن حقيقة الوجود يجب أن يكون كل الأشياء على وجه مقدس عقلي وإليه الإشارة بقوله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ).
ومنها ، القلم واللوح ، فالقلم موجود عقلي متوسط بين الله وبين خلقه فيه جميع صور الأشياء على الوجه العقلي ، وهو أيضا عقل بسيط ، إلا أنه دون الحق الأول في البساطة والشرف. وأيضا : الحق الأول واحد حقيقي بسيط من كل وجه والعقول الفعالة متعددة كثيرة. وإلى تلك الأقلام أشار تعالى بقوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) وقوله :