قاعدة
في أن صدور الأشياء المكونة عن علمه تعالى
فالذي يعقله العاقلون ويعرفه الحكماء الإلهيون في كيفية صدور الأشياء المتجددة عن علمه ، أن الرحمة الإلهية والعناية الربانية لما لم يجز انقطاعها على عدد ، ولم يمكن وقوفها عند حد يبقى وراءه الإمكان الغير المتناهي على القوة والكمون من غير أن يخرج إلى الوجود والظهور ، وعالم الأجسام المادية عالم ضيق قصير الفسحة قليل الوسعة ، إذ لا يسع الصور الغير المتناهية دفعة ، بل المكان الواحد لا يسع الجسمين ولا المادة الواحدة لصورتين في زمان واحد فضلا عن غير المتناهي ، قدر بلطيف قدرته وعلمه زمانا غير منقطع الطرفين ، ومادة ذات قوة انفعالية غير متناهية في الانفعال التجددي ، كما أن الواهب ذو قوة غير متناهية في الفعل ، وحيث لا بد في دوام تجدد الفيض من أمر متجدد الذات ، ضروري الحركة والتغير في ذاته ، فأوجد الباري بوسائط عقلية أشخاصا فلكية دوارة بإذن الله دائمة الدوران لأغراض علوية وغايات قدسية كمالية يتبعها استعدادات وانفعالات غير متناهية في مادة سفلية ينضم إلى فاعل غير متناهي التأثير ، وقابل غير متناهي القبول ، فانفتح بذلك باب نزول البركات وتواتر الرشحات ، وقطرات أمطار الرحمة من بحار خزائن السماوات على الدوام (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) فتصير الصور كلها موجودة في جميع ذلك الزمان على التعاقب التدريجي واحدة بعد واحدة في موادها الخارجية على نعت الاتصال التعاقبي ، والمادة مستكملة بها. ثم لا يخفى أن أشرف الحوادث وما معها مما يتعلق بالهيولى هي النفوس الإنسية الناطقة ولم يمكن حدوثها إلا مع الأبدان ، ولم يمكن خروج جميع ما هو الممكن منها من القوة إلى الفعل دفعة واحدة ، لأن عددها غير متناه وعدد الأبدان الموجودة معها متناهية ، لوجوب تناهي الأبعاد وجهات