الألفاظ والحروف ، ولا أيضا من شرطه تمثل المتكلم بصورة شخصية ، بل إلقاء كلام معنوي إلى قلب مستمع من الله ، قوله عزوجل : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ، إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ ، الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ، وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) دلت هذه الآية على أن المراد بالسمع هو التعقل وهو السمع الباطني ، كما أن المراد بالبصر هو الرؤية الباطنية. قوله : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) ... ، (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى) ففي الآيتين دلالة على أن أولي العلم هم الذين يعرفون الحق ويرون بنور عرفانهم ، أن المنزل على الرسول علوم حقيقية ومعارف إلهية ، ولو لا أن وقع لهم بالسمع الباطني مقارعة الكلام المعنوي ، وبالبصيرة الباطنية مشاهدة آيات الملكوت ، لم يعرفوا حقيقة الكلام المنزل على الرسول وأنه الحق من ربه.
قاعدة
في سر الحروف المقطعة القرآنية
اعلم أن الأنبياء عليهمالسلام ، وضعوا بأمر الله حروف التهجي ، أعني ، حروف الجمل بإزاء مراتب الموجودات ، وقد وجد في كلام أمير المؤمنين عليهالسلام ، ما يدلك على ذلك ، وإذا كان كذلك فينبغي أن يكون الألف إشارة إلى المبدإ الأول ، لأنه أول الآحاد ومبدأ الأفراد والأعداد ، وأن يكون الباء إشارة إلى عالم العقل ، ولذلك قيل : ظهرت الموجودات من باء بسم الله. إذ هي الحروف التي تلي الألف الموضوعة بإزاء ذات الله. فهي إشارة إلى العقل الكلي وهو أول ما خلق الله ، المخاطب بقوله تعالى : «ما خلقت خلقا أكرم علي ولا أحب إلي منك ، بك آخذ وبك أعطي ، وبك أثيب وبك أعاقب» وهذا حديث متفق على روايته جميع فرق الإسلام بحسب المعنى ، وإن وقع الاختلاف في صورة اللفظ. والمراد به جملة عالم العقل ، لما بينا في مقامه ، أن العقول القادسات