قاعدة
في كيفية نزول القضاء من عند الله وبروز الأحكام من مكامن
الغيب إلى مظاهر الشهادة
. اعلم أنه تعالى قد عظم أمر السماء ، وجعلها واسطة الأرزاق وقبلة الدعوات ، ورفع الحاجات ، قال : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) إذ جعلها منشأ الحركات الكلية ، وحدوث الكائنات ، وتولد النباتات والحيوانات ، سيما نوع الإنسان الفائق بنفسه الناطقة ، العارفة لربها على سائر الأكوان ، وذلك لأجل أنه جعلها ذوات نفوس ناطقة كاملة متشوقة إلى لقاء الله ، عاشقة لملكوته الأعلى ، طائفة حول كعبة الجلال ، فلها إدراكات وإرادات عقلية بنفوسها الكلية ، ولها أيضا إدراكات وإرادات بنفوسها الحيوانية الجزئية ، كحال نفوسنا المدركة للكليات المريدة إرادة كلية من جهة العقل ، والمدركة للجزئيات المريدة إرادة جزئية من جهة قوة التخيل ، كل بحسب مرتبة ومقام ، وكل منها يشتاق إلى جوهر قدسي مفارق ، هو مفيض وجودها ومكملها القريب ، تقربا إليه وتشبها به ، لإدراكها لذلك الكمال الذي من شأنها التشبه به ، والخروج من القوة إلى الفعل بسببه ، والتقرب إلى المبدإ الأعلى بواسطته ، فإن النفس بحسب الكمال العقلي بالقوة والإمكان ، وشأنها أن يخرج من ـ القوة إلى الفعل ، ومن الإمكان إلى الوجوب ، وهذا الخروج لا محالة بحركة ، والحركة لا يكون إلا لتعلق بمادة جسمانية ، لأن المفارق عن الجسم بالكلية المجردة عن المادة رأسا لا حركة له ، فحركة السماء نفسانية تابعة لحركة جسمانية ، فلا بد فيها من إرادة كلية وأخرى جزئية. أما الأولى ، فلأن أغراض الفلك ليست كأغراض الحيوان العنصري شهوية أو غضبية ، أو لأجل طلب غذاء أو لدفع آفة أو عدو ، إذ أجسادها ليست مخلوقة من العناصر المتضادة المتكونة من مادة ناقصة غير مستكملة بالصورة حتى يحتاج إلى التكميل والتعديل والتصوير ، وليس لصورة جسمها ضد ولا لنفسها مرض ، فليس لها شهوة ولا غضب ، لأن حركتها