لا تبقى مع الحركة المتأخرة ، والوضع السابق لا يبقى مع الوضع اللاحق.
قلنا : إن النفوس المحركة لها إرادة كلية سابقة لحركة دائمة لغرض عقلي دائم ، ولها إرادة جزئية من نقطة كذا إلى نقطة كذا ، أي من وضع شخصي إلى وضع شخصي آخر ، والإرادة علة للحركة ، والحركة علة للوصول إلى ذلك الوضع وإلى الغرض الجزئي الآخر ، فلا يزال الوصول مع الإرادة الكلية علة للإرادة الجزئية لغرض جزئي آخر ، ولا يتوقف إرادة جزئية على نفس تلك الحركة التي توقفت عليها ـ وإن توقفت على غيرها من نوعها ـ وإلا لزم الدور المستحيل ، ولا يتصرم الإرادة الكلية السماوية وإن تصرمت جزئياتها ، ويدل دوامها على دوام السماوات وتنزهها عن الكون والفساد ، وعلى هذا الوجه من جهة التضاد بين المتفاسدات من الكائنات كما دل على ذلك قوله تعالى : (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) وقوله : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) ، ... (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ).
وهم وإنارة
ولعلك تقول تجدد اللازم ودثوره دليل تجدد الملزوم ودثوره ، كما أن عدم اللازم مستلزم لعدم الملزوم ، ولا شك أن إرادة الفلك وحركته ووضعه لازم لطبيعته ونفسه ، وإذا تجددت الإرادة والحركة والوضع ، فبالضرورة يكون للفلك في كل وقت نفس أخرى وطبيعة أخرى ووجود آخر ، فلما لم يكن لكل فلك إلا ذات واحدة ثابتة لها ، ووجود واحد شخصي ، فلا محالة لم يكن لها من ماهية كل لازم إلا شخص واحد مستمر بالعدد. وأيضا : لما يلزم من تبدل اللازم تبدل الملزوم ، فيلزم أن يكون عالم الأجرام الفلكية عالم ـ الكون والفساد.
فنقول : لما كان تجدد النفوس الفلكية وطبائعها على نعت الاتصال والمتصل الواحد موجود بوجود واحد ضربا من الوحدة ، وإن كان على سبيل التدرج ، وكذا أوضاع الفلك وضع واحد متجدد نسبة ذلك الواحد إلى المتجددات