بإدراك حضوري المشعور بها له على الوجه الجزئي ليست إلا متجددة ، حتى أن الحاضر الآن من ذاته الشخصية ليس بعينه هو الهوية العينية الحاضرة له فيما سبق من الزمان. فإذا نعلم جزما بأن مع حكمنا باستمرار ذاتنا ضربا من الاستمرار ، أن هويتنا الحاضرة عندنا الآن غير هويتنا التي كانت منذ سنة ، كذا أيام الصبى والشباب ، وأن هذا الحضور غير ذلك الحضور وأن هذا الحاضر الآن غير ذلك الحاضر من قبل ، إذا ندرك نفسنا التي الآن بعلم شهودي وجودي ، والتي كانت حاضرة لنا في الأمس مثلا ندرك نحو وجودنا الأمسي بعلم ذهني حصولي. نعم نعلم استمرار ذاتنا على نعت الاتصال التجددي ، ولنا كتاب حفيظ يحفظ السابق واللاحق والغائب والحاضر من هويتنا وهو جوهرنا النطقي ، وكأن شيئا من هذا الأمر لاح ـ لبهمنيار ـ حيث أنكر بقاء الذات في الإنسان وباحث مع شيخه ـ أبي علي بن سينا ـ في ذلك إلا أنه لم يسهل له التفصي عما ذكره الشيخ في المفاوضات بينهما بقوله : فلست أنا المسئول عنه ، فلم يلزمني جوابك.
وكان بهمنيار أن يقول له إن للنفس الإنسانية مرتبتان في الوجود : إحداهما ، متصلة بالطبيعة البدنية والأخرى متصلة بالجوهر العقلي مستمدة منه ، فبوجهها الذي يلي الطبيعة ويتعلق بالبدن وتدرك الجزئيات الزمانية ، يكون متبدلة غير باقية ، وبوجهها الذي يلي العقل ، تكون ثابتة باقية مستمرة ، وحال هاتين المرتبتين من ذات الإنسان كحال الحركة التوسطية المستمرة والحركة القطعية المتجددة.
وبالجملة العالم العقلي محفوظ عن التغير والانقطاع ، والعالم الطبيعي متجدد كائن فاسد ، والنفس مترددة بين العالمين ، ولها وجه إلى الطبيعة ووجه إلى العقل ، فبوجهها الطبيعي تدثر وتضمحل ، وبوجهها العقلي يحشر إلى عالم العقل ومأوى الأرواح ويرجع إلى الله تعالى.
حكمة عرشية
اعلم أن السابقين الأولين من الفلاسفة الكاملين ، كأرسطو وأتباعه ،