أن رأس الشقاوة ومنشأ العذاب الأليم ، هو الكفر الذي ضرب من الجهل والاحتجاب عن الحق بما يلزمه من الأعمال والملكات المؤدية إلى البعد عن دار الكرامة ومعدن الرحمة والانغمار في بحر الظلمة الجرمية والهوى في الهاوية السفلية والقرية الظلمانية الظالم أهلها ، كما أن أصل كل سعادة وبهجة هو الإيمان بالله وكلماته وآياته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والخروج من هذه النشأة الدنية المظلمة والصعود إلى عالم الطهارة والقدس والنور من عالم الطبيعة ومعدن الرجس والظلمة والدثور.
تنبيه
اعلم أن محبة الدنيا والكفر يتلازمان ويتسبب أحدهما بالآخر ، ولهذا ورد في الكتاب الإلهي تعليل العذاب الأخروي والشقاوة تارة بهذا وتارة بهذا كما في قوله تعالى : (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً ، فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ، ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) دلت على أن محبة الدنيا مغرس الكفر ومنبت النفاق ، لكن نتيجة محبة الدنيا هي العذاب العظيم ، الحاصل عن مفارقتها يوم القيامة ، ونتيجة الكفر هي غضب الله في يوم القيامة. ولا شك عند العارف المحقق أن عذاب الغضب أشد من عذاب النار ، لأن الأول عذاب روحاني ، والثاني جسماني حسي ، والجحيم صورة غضب الله ، كما أن الجنة صورة رحمة الله وكما أن لذة رضوان الله ـ أكبر من لذة نعيم الجنة من الحور والقصور والأنهار والأشجار وغيرها ، كما قال : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) فكذا ألم الحجاب عن الحق أشد من ألم النار ، ولذلك وقع مقدما في الذكر في قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ).
ومما يدل على أن الجهل بالمعارف الإلهية يوجب السقوط عن الفطرة ويؤدي الإنسان إلى أن يصير مرآة قلبه مكدرة مظلمة بالغواشي والظلمات إلى حد يفسد ظاهرها وباطنها ، قوله تعالى : (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)