غير متناهية وجوده ، إذ ما لا وجود له بالفعل لا يوصف باللاتناهي كما لا يوصف بالتناهي أيضا ، وفرق بين قولنا : هذه الحوادث ليس لها ابتداء معين على سبيل الحكم السلبي ، وبين قولنا : إن الحوادث غير متناهية حكما إيجابيا عدوليا ، إذ الأول لا يستدعي وجود الموضوع المحكوم عليه ، بخلاف الثاني. فقول من قال : العالم قديم ، والحوادث فيه غير متناهية ، قول باطل ، إذ ما لا جمعية له من الأعداد لا يوصف باللاتناهي أيضا ، ولا بالتناهي إلا مبلغ حاضر منه في قوة مدركة جزئية. وفي الكتاب الإلهي آيات كثيرة دالة على دثور العالم وخرابه واضمحلال وجوده مع بقاء صورها العلمية عند الله القديم حسب ما رءاه كبراء ـ الحكماء وأساطينهم الأقدمين ما خلا أصحاب أرسطو ومن لحقهم إلى يومنا هذا ، فإن مسألة حدوث العالم مع إثبات الصانع وتوحيده وتوحيد صفاته إحدى المسائل الشريفة التي من الله علينا بتحقيقها وفضلنا على كثير من خلقه تفضيلا ، وهي مما استفدناه من كتاب الله وسنة نبيه ، صلىاللهعليهوآله ، لا من الأفكار البحثية ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ).
أما الآيات فمنها قوله تعالى : (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) وقوله : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ ، صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) فإن إتقانها ببقاء ذاتها في علمه تعالى ، وحفظه إياها بتوارد الأمثال. وقوله : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) فإن لجميع الموجودات الطبيعية حركة جوهرية ذاتية وتحولا من صورة إلى صورة ، حتى يقع لها الرجوع إلى الله بعد صيرورتها غير نفسها بحسب الصورة السابقة ، وتحولها إلى نشأة أخرى ، ولو كانت هذه الطبائع ثابتة الجوهرية مستمرة الهوية لم ينتقل هذه الدار إلى دار الآخرة ، ولم يتبدل الأرض غير الأرض ، ولا السماوات غير السماوات ، كما دلت عليه الآية ، ولم يرث الله الأرض ومن عليها ، ولم تصر الأرض مقبوضة يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ، كما في قوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) ومنها قوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) دل على أن كل ما في السماوات والأرض يفنى ويزول بنفخ الإسرافيل