والأجسام محسوسة بالفعل والأرواح موجودة بالقوة.
وبالجملة هذه الدار دار الحرث والزراعة والسعي ، والآخرة دار حصد الثمار والوصول إلى نتائج الأعمال والأفكار وتولد مواليد الأرواح عن بطون أمهات الأشباح. قوله : (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ، وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ، عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ).
تنبيه
قوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) كل ذلك إشارة إلى فناء الدنيا وانقطاع نشأتها وبروز مكامنها وخروج هويات ما فيها إلى النشأة الآخرة.
قاعدة
خلق العالم الكبير وبعثه كخلق العالم الصغير وبعثه (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) ولكل منها جسم وروح ، فالخلق للجسم والبعث للروح ، فكما أن أعضاء البدن وأجزاء الشخص متبدلة مستحيلة كائنة فاسدة وروحه باقية ، إلا أنها في أوائل النشأة ضعيفة الوجود بالقوة شبيهة بالعدم ، ثم يخرج في أيام الحياة البدنية من القوة إلى الفعل ويشتد وجود الروح ويستكمل ويقوى على التدريج ويخرج من القوة إلى الفعل ويضعف البدن ويهرم ويكل القوى والآلات شيئا فشيئا ، لأن كلها جسمانية شأنها الاستحالة والسيلان والدثور ، وهكذا إلى أن يفني البدن ويموت (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ويبقى الروح راجعة إلى ربها (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) وإنما وصفها بالاطمئنان وهو السكون العقلي لأن النفس قبل صيرورتها عقلا بالفعل شأنها التغيير والانقلاب ، فإذا صارت مطمئنة عقلية رجعت إلى بارئها (راضِيَةً مَرْضِيَّةً) ، فكذلك جملة العالم ، فإن السماوات والأرض وما بينهما ، أبدا في الانتقال والتبدل من حال إلى حال ومن نقص إلى كمال ،